القائمة الرئيسية

الصفحات

بن حميد في خطبة الجمعة: فليحذر المسلم أن يكره شيئا مما جاء به الرسول أو يرده لأجل هواه

 


أمّ المصلين لصلاة الجمعة في المسجد الحرام إمام وخطيب المسجد الحرام معالي الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد والذي استهل خطبته قائلاً: بين أيديكم سورة عظيمة ، سورة خالصة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، سورة يسلي فيها الله عز وجل قلب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، ويعده بالخير الكثير ، ويوعد أعداءه بقطع الدابر وبئس المصير ، وهي في الوقت نفسه سورة تمثل حياة المسلم في دينه ، ودعوته ، وموقفه من أعداء الله ، وأعداء دينه، إنها سورة الكوثر قال تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3).

وأضاف معاليه والكوثر: نهر في الجنة كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة الصريحة، بل قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن نهر الكوثر الذي في الجنة هو من جملة الخير الكثير الذي أعطى الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ، فإذا كان أقلُّ أهل الجنة من له فيها مثلُ الدنيا عشر مرات فما الظن بما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبما أعده الله له فيها، فالكوثر - حفظكم الله - مأخوذ من الكثرة ، فهو : الكثير ، والغزير ، والفائض ، والدائم غير المقطوع ولا الممنوع، والكوثر هو : الخير الكثير : من القرآن ، والحكمة ، والنبوة ، والدين ، والحق ، والهدى ، وكلِّ ما فيه سعادة الدنيا والآخرة، فهو كوثر : لا نهاية لفيضه ، وكوثر لا إحصاءَ لعدده ، وكوثر لا حدَّ لدلالاته .

وأردف بن حميد وأمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ، أن يجمع بين هاتين العبادتين العظيمتين : الصلاةِ ، والنسك، فالصلاة والنسك هما أجل ما يتقرب به إلى الله، فأجلُّ العبادات البدنية الصلاة ، وما يجتمع للعبد في الصلاة لا يجتمع له في غيرها من سائر العبادات ، فالصلاة تتضمن خضوع القلب ، والجوارح ، والتنقل في أنواع العبودية ، كما يعرف ذلك أرباب القلوب والهمم العالية، والنحر أجل العبادات المالية ، وما يجتمع في النحر من إيثار الله ، وحسن الظن به ، وقوة اليقين ، والوثوق بما في يد الله أمر عجيب ، إذا قارن ذلك الإيمانُ والإخلاصُ . وقد جاء الأمر بالصلاة والنحر معطوفا بـ (الفاء) الدالة على السببية –  كما يقول أهل العلم – فالصلاة والنحر سبب للقيام بشكر ما أعطاه الله من الكوثر ، والخير الكثير .

 معاشر المسلمين : إن آخر هذه السورة العظيمة ، هو الذي يفسر معناها ، ويوضح غايتها ، والمراد منها : فمن شنأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكرهه، وكره ماجاء به ، بتره الله من كل خير ، بتر الله ذكره ، وأهله ، وماله ، وخسر دنياه وآخرته ، بتر حياته فلا ينتفع بها ، وبتر قلبه فلا يعي الخير ، ولا يؤهله لمعرفته ، ولا لمحبته، فكل من ناوأ هذا الدين فهو المخذول ، والمقطوع ، والمبتور، وهذا هو حال كل أبتر يشنأ ويبغض ما جاء به  محمد صلى الله عليه وسلم .

فليحذر المسلم أن يكره شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو يرده لأجل هواه ، أو انتصارا لمذهبه ، أو شيخه ، أو حزبه ، أو طائفته ، أو لأجل انشغاله بالدنيا وشهواتها .

عباد الله: والمسلم حينما يتتبع هذا الكوثر العظيم الذي أعطاه الله لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام ، فهو واجده في النبوة وحفظها ، وفي القرآن الكريم وحفظه ، يجده في حفظ دين الله ، وفي السنة المطهرة ، وفي هذا الانتشار العظيم لدين الإسلام ، والاتباع الذين يزيدون ولا ينقصون ، ويقوون ولا يضعفون ، كلها تلهج بذكر محمد صلى الله عليه وسلم وبدينه ، تحبه ، وتحوطه ، وتدافع عنه ، وتحفظ دينه ، وكتابه ، وتعظم شريعته .

واستهل معاليه خطبته الثانية قائلاً: إن مقاييس الله غيرُ مقاييس البشر ، وموازينَ العزيز الكريم ، غيرُ موازين الضعفاء المهازيل، فانظروا حينما قال الكفار وصناديدهم في حق محمد صلى الله عليه وسلم : دعوه فإنه أبتر سيموت بلا عقب ، وينتهي أمره ، فجاءت هذه السورة العظيمة لتبين : أين يكون الانقطاع والامتداد ، وأين يكون الخير ، والفيوض ، وأين موارد النقص ، والهلاك ، والخسران ، وأين ميادين الربح والفوز ، والعلو والتمكين، البشر ينخدعون ويغترون فيحسبون أن مقاييسهم ، ونظرياتهم ، ومعايرهم هي التي تقرر الحقائق ، وتتحكم في مجاري الأمور، إن الدين الحق ، والدعوة إلى الله لا يمكن أن تكون بتراء ، ولا يمكن أن يكون صاحبها أبتر ، بل هي العز والنصر ، والتمكين والرفعة ، في الدنيا والآخرة .


تعليقات